حرية أفراد مجتمع الميم من حرية المجتمع.. والطغيان هو الشذوذ الفعلي

أثناء تصفح الانترنت، لفتنا مقال مميز للصحافي حسين عبدالحسين يتناول فيه موضوع المثلية الجنسية في الدول العربية، ويميل فيه لإعطاء الحرية إلى أفراد مجتمع الميم على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من حرية الفرد في المجتمع.

في الأسابيع القليلة الماضية، غرقت دول لبنان والعراق والكويت ومصر وتركيا في رهاب المثلية، وشن المحافظون في كل هذه الدول حملات تشنيع ضد مجتمع الميم – عين، وصلت حد العنف، وأظهر هذا العداء غير المبرر للمثليين أمية فاقعة وجهل، لا بالشؤون الطبية فحسب، بل بكل الأمور المتعلقة بالحرية الفردية والديمقراطية. كما صوّر معادو مجتمع الميم المثليين على أنهم شبكة عالمية خطيرة ذات أذرع في كل مكان وتمويل ضخم، تسعى إلى ترويج المثلية بين الصغار ونشرها، وذلك كجزء من مخطط غربي، أو حتى صهيوني، لتفتيت المجتمع العربي والمسلم.

لن نناقش هنا بلاهة معادي المثلية في الشؤون الطبية التي تؤكد، عكس ما يدّعون، أن المثلية ليست مرضا، إذ يكاد الجسم الطبي يجمع أن المثلية هوية فردية تشبه باقي الهويات: جزء منها وراثي لا إرادي وجزء آخر طوعي اختياري.

ما سنناقشه هنا هي الأهمية القصوى لمنح مجتمع الميم – عين الحرية المطلقة حتى يعيش المثليون بيننا، لنا ما لهم وعلينا ما عليهم. والدعوة للحرية الكاملة للمثليين ليست منّة عليهم، بل هي من باب “عامل الناس مثلما تريد أن يعاملوك”. هذا يعني أن منح المثليين حرية كاملة يقابله تلقي من يمنحون هذه الحرية للآخرين حرية كاملة لأنفسهم، وهذا يندرج تحت بند الحريات الفردية (ليبرتي بالإنكليزية).

و”ليبرتي” هذه هي أساس الديمقراطيات الحقيقية في العالم، وهي في إعلان الاستقلال الأميركي “الحياة والحرية والسعي للسعادة” وهي في شعار الثورة الفرنسية “حرية مساواة تآخ”.

و”ليبرتي” هي ضمانة ألا تتحول أي حكومة منتخبة إلى هيئة متسلطة على المواطنين، فالحكومة المنتخبة مولجة إدارة البلاد وسن السياسات، لكن لا صلاحية للحكومة في التدخل في حياة الأفراد. مثلا، لا يحق لأي حكومة منتخبة وتمثل الغالبية أن تفرض على الناس ما يلبسونه أو من يعبدون، وإذا ما قامت الحكومة المنتخبة بفرض خيارات من هذا النوع، يُطلق على ممارستها اسم “طغيان الأكثرية”.

وليس صحيحا أبدا أن لكل بلد تقاليد متعارف عليها يجب احترامها. التقاليد هي ما يمارسه طوعيا أفراد ينتمون إلى جماعة. مثلا، يصوم المسلمون في رمضان. هذا تقليد ولا يمكن فرضه على المواطنين كما لا يمكن لأي حكومة منعه. حتى كتاب المسلمين قال إن “لا تزر وازرة وزر أخرى” وأن كل فرد مسؤول عن أعماله وأفعاله.

المشكلة في المجتمعات العربية أنها لا تفقه معنى المواطنية الفردية، بل تنظر إلى الشعب كوحدة متجانسة تتألف إما من مواطنين متطابقين في معتقداتهم (غالبية من المسلمين مثل في تونس) أو من مجموعات مختلفة دينيا وانما متعايشة (مثل في لبنان).

الإشكالية في الحالتين، الغالبية الإسلامية الساحقة أو التعايش بين مجموعات مسلمة وغير مسلمة، هي أن مواطني هذه الدول ينظرون إلى أنفسهم كمجموعات لا كأفراد، وهو ما يلغي الحرية الفردية، ويتوقع الناس أن يتبنى كل واحد منهم معتقدات متطابقة وخيارات متشابهة للمجموعة التي ولد فيها.

كاتب هذه السطور، مثلا، خرج على التقاليد باختياره شريكة عمره من مجموعة دينية تختلف عن التي ولد فيها في دولة كلبنان لا تمنح حرية الزواج المدني العابر للمذاهب. هكذا، حاولت الحكومة، باسم الغالبية والتقاليد، فرض خياراتها علينا، ونحن رفضنا، وبحثنا عن أمثالنا ممن خاضوا قبلنا تجربة زواج مدني عابر للمذاهب، وأفدنا من تجربتهم وتعاطفهم. ومثل بحثنا عمن تشارك معنا في المشكلة نفسها، كذلك يبحث المثليون عن مثليين مظلومين من أمثالهم حتى يدعموا بعضهم البعض، وهذا أمر طبيعي وليس مؤامرة.

زواجي وشريكة عمري كان خيارا فرديا خارجا عن التقاليد والعادات، فهل كنا جزء من مؤامرة لتدمير المجتمع العربي ونسيجه؟ الإجابة هي لا قاطعة. المشكلة هي لدى الغالبية العربي التي لا يبدو أنها تفهم معنى وأهمية الحرية الفردية، بل تعتقد أن فرض العادات والتقاليد على كل الناس — أي الهندسة المجتمعية — هي باب الخلاص لإبقاء المجتمع ملائكيا متجانسا على شكل ما كان عليه في زمن الآباء والأجداد.

الأسبوع الماضي، كتب مصري التالي: “المثلية الجنسية هي فكر علماني متطرف تصدر لنا من بلاد الغرب وانتشر في مصر”. لو أخذنا القصص الديني وحده في عين الاعتبار، لتبين أن قوم لوط (وهم كانوا يسكنون الأردن على الأرجح)، مارسوا المثلية الجنسية قبل آلاف السنين. حتى في ذروة الحضارة الإسلامية، لا يخفى الشاعر العباسي أبو نؤاس ميوله المثلية. مع ذلك، يتحفنا الكاتب المصري — كعرب كثيرين غيره — أن الدول العربية والإسلامية كانت تعيش كالملائكة وفقا لتقاليد وعادات، ثم جاء الغرب بفكره المنحل، وعكّر صفوة الحياة الإسلامية، ونشر المثلية في صفوفها.

أما في العراق، فقد دعا رجل الدين مقتدى الصدر إلى إقامة يوم لمناهضة المثلية، وهو ما يطرح السؤال: ماذا لو قامت دولة ذات غالبية مسيحية بإعلان يوم لمناهضة الدين الإسلامي على اعتبار أن هذا الدين بدعة غريبة عن تقاليده السويسرية أو الدنماركية أو البرازيلية؟

إن التمسك بحقوق المثليين في خياراتهم وعيشهم بأمان وحرية ليست انحيازا لخياراتهم، بل انحياز للحرية التي لا تكون مجتزأة، ولا تكون لناس من دون ناس، فالحرية إما للجميع، أو هي طغيان الأكثر والأقوى على الأقل والأضعف، والطغيان هو شريعة الغاب وهو الشذوذ.

ختاما، لا بد من الإشارة إلى حق المثليين في الزواج والأولاد. الزواج أمر بسيط لأنه شراكة طوعية بين راشدين. أما الأولاد، فللسلطة والمجتمع وصاية أكبر عليهم. معارضة أن يكون للمثليين أولاد تنبع من اعتقاد أن أولاد المثليين سيكبرون مثليين كأبويهم. ومع أنه لا ضرر في ذلك، لكن في الوقت الحالي، غالبية المثليين هم أولاد عائلات تقليدية. ثم أن هناك حالات كبر فيها أولاد المثليين ولم يصبحوا مثليين كذويهم. أضف إلى أن نشأة الأولاد في عائلات مثلية متماسكة فيها حب وعطف ودعم أفضل من نشأتهم في عائلات تقليدية فيها عنف وبؤس وشقاء.

إن حرية المثليين هي جزء لا يتجزأ من حريتنا جميعا، إما نعيش جميعا أحرارا نحترم خيارات بعضنا البعض، خصوصا الخيارات التي لا نوافق عليها والتي لا نتبناها لأنفسنا، أو نعيش وفق قاعدة أن الأكثر والأقوى هو الذي يسود ويفرض خياراته ودينه وتقاليده وطغيانه على الباقين.

أخبار أخرى عن مجتمع الميم

Leave a Reply

Your email address will not be published.