“ستون وول”.. الشرارة التي أطلقت مسيرة نضال أفراد مجتمع الميم حول العالم

في ليلة دافئة من صيف عام 1969، انطلقت معركة المثليين في الولايات المتحدة للحصول على حقوقهم وحرياتهم، بعد أن داهمت الشرطة حانة “ستون وول إن” الواقعة في منطقة غرين ويتش بمدينة نيويورك.

لم يكن يسمح للمثليين بدخول الحانات والملاهي الليلية في الستينيات. وحتى العقود التالية، لم يكن مرحبّا بأفراد مجتمع الميم-عين، وكان التقارب الجنسي بين الأفراد من الجنس ذاته غير قانوني في الولايات الأميكرية بأسرها، باستثناء ولاية إلينوي، وفقا لما نقله موقع “هيستوري”.

وكانت السلطات تقفل المطاعم والحانات التي توظف عمالا مثليين، أو إن كان أحد الشركاء مثليا. كما أن معظم ملاهي وحانات المثليين كانت تدار من عصابات المافيا في نيويورك، حيث دفعت الرشى لأفراد الشرطة كي تصرف النظر، وكان هؤلاء يبتزون أصحاب الأعمال المثليين عبر تهديدهم بكشف ميولهم الجنسية علنا.

ورغم أن مداهمات الشرطة لهذه المطاعم والحانات والملاهي بذريعة بيعها الكحول دون رخصة، كانت أمرا مألوفا، فإن ما يميز الأحداث التي عرفت باسم “ثورة ستون وول” هو أن أفراد مجتمع الميم-عين قاوموا لأول مرة في تلك الليلة بالتحديد.

وخلال شهر يونيو، يحتفي العالم بشهر “الفخر” للمناداة بحقوق أفراد مجتمع الميم-عين وحرياتهم، بسبب ما شهدته حانة “ستون وول” في الثامن والعشرين من يونيو عام 1969.

ماذا حدث في تلك الليلة؟

بعد منتصف تلك الليلة، كان هناك ثمانية ضباط شرطة متخفين داخل حانة “ستون وول”؛ كانوا ستة رجال وامرأتين، حيث حددوا الرجال والنساء الذين ارتدوا أزياء لا تواكب أجناسهم لاعتقالهم، إذ كان ارتداء أزياء الجنس الآخر أو الظهور بمظهر الآخر جريمة في مدينة نيويورك آنذاك.

بعدها حضرت ثلاث دوريات للشرطة إلى الموقع برفقة دعم إضافي، واجتمعت الحشود خارج حانة “ستون وول” ليشاهدوا مركبة تابعة للأمن وهي تحمّل “المطلوبين” من الداخل.

ورغم أنه لا توجد دلائل كافية حول السبب وراء اشتعال أعمال الشغب في تلك الليلة، لأنه لم يتم توثيقها بشكل كاف، وصف شهود عيان أصطحاب الشرطة لمثلية ارتدت ملابس كانت مألوفة للرجال، وطلبت منهم أمام الحشد أن يخففوا من قيودها معبرة عن ألمها، وسط صراخ الحشد الذي وصف ضباط الشرطة بـ “الخنازير”، لتبدأ الجموع برمي قناني الكحول على الشرطة بينما قام آخرون بتخريب عجلات الدوريات.

وذكر مقال نشره موقع “ذا هارفارد غازيت” أن الشابة المثلية صرخت للحشود: “لماذا لا تفعلون شيئا!”.

من جهته، يؤكد المؤرخ ومؤلف كتاب “Stonewall: The Riots That Sparked the Gay Revolution”، لموقع “هيستوري” أن المقاومة قادها فتيان الشوارع المثليون، الذين تخلت عنهم عائلاتهم بسبب ميولهم الجنسية، وكانوا يتخذون الحانات مثل “ستون وول” ملاجئ لهم.

وبعد انطلاق مركبة الشرطة المحمّلة بمن قبض عليهم، لجأ الضباط الذين داهموا الحانة للاختباء فيها، وتمكنت الحشود من كسر الباب واقتحامها.

وبعد وصول قوات دعم إضافية استمرت أعمال الشغب حتى الساعة الرابعة من فجر ذلك اليوم، لتمتد على مدى ستة أيام شابتها اشتباكات بين أفراد الشرطة وأنصار مجتمع الميم-عين، دون وقوع قتلى، لتصبح هذه الأحداث أساسا للمناداة بحقوقهم في الولايات المتحدة، بل والعالم بأسره، وفقا لموقع “هيستوري”.

وفي الثامن والعشرين من يونيو عام 1970، انطلقت أول “مسيرة فخر” لمجتمع الميم-عين في الذكرى السنوية الأولى لاقتحام حانة “ستون وول”، ونظم الناشطون في نيويورك “مسيرة تحرير شارع كريستوفر” لينطلق أول أسبوع مخصص للمثليين في المدينة، حيث سار مئات الأشخاص إلى الجادة السادية وصولا إلى حديقة “سنترال بارك” وانضم إليهم مناصرو القضية، وامتدت المسيرة لتشمل 15 حيا سكنيا في المدينة الواسعة بمشاركة الآلاف.

وشكلت تجربة نيويورك مصدر وحي للناشطين في مدن أخرى، من بينها لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وبوسطن وشيكاغو، فبدأت بتنظيم “مسيرات فخر” مشابهة في العام ذاته.

ويؤكد موقع “هيستوري” أن “الشعلة التي ولدت في الليلة الأولى في ستون وول أوقدت تدريجيا حركات المجتمع المثلي في كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا ونيوزيلندا ودول أخرى، لتصبح قوة كامنة امتد تأثيرها للأعوام الخمسين التالية وما بعدها”.

“ستون وول” لم تكن البداية

ورغم أن “أحداث ستون وول” لم تكن بداية الأحداث، إلا أنها كانت “نقطة تحول” في تاريخ المناداة بحقوقهم، وفقا لموقع “هيستوري”.

وقال، تيموثي باتريك مكارثي، الأستاذ المحاضر في مركز كار لسياسات حقوق الإنسان في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، لموقع “ذا هارفرد غازيت”، أن “حجر الأساس الذي بنيت عليه أحداث ‘ستون وول’ كان قد وضع قبل عقود سبقتها، من خلال المعارك الخاصة والعلنية، وبجهود كثيرين”.

وأضاف مكارثي “العديد من الجماعات تأسست خلال الحرب العالمية الثانية، والفترة التي تلتها، استجابة لسياسات الجيوش المعادية للمثليين والخوف الذي أحاط الذعر الأحمر'”، في إشارة إلى استهداف الشيوعيين في الولايات المتحدة.

ونوه الأستاذ المحاضر إلى حملة “الذعر الأرجواني” التي شنها السيناتور الجمهوري، جوزيف مكارثي، في الخمسينيات على المثليين، بحيث استغل الخوف من مزاعم وجود موظفين شيوعيين في الحكومة الفيدرالية لاستهداف المثليين، بحجة أن “السلوك الجنسي المنحرف يشبه الأيديولوجيا السياسية المنحرفة، فهما أمرا يدفعان أصحابهما للشعور بالضعف أمام الابتزاز”.

لكن مايكل فايدر، الذي شارك في أحداث “ستون وول” في الستينيات، اعتبرها نقطة لا يمكن فيها الرجوع إلى الوراء، وقال لموقع ناشيونال جيوغرافيك: “كل الحشد علم أن الوضع لن يعود كما كان عليه سابقا”، مضيفا “في نهاية المطاف، لم نكن لنختفي، وبالفعل لم نفعل ذلك”.

ماذا تغيّر بعد “ستون وول”؟

ساهمت أحداث “ستون وول” في دعم الناشطين في حقوق المثليين سياسيا، لتنشأ عدة منظمات معنية بالقضية، مثل “Gay Liberation Front” و”Human Rights Campaign” و”GLAAD” و”PFLAG”.

وهذا ساهم بالتدريج إلى زيادة مشاركة المثليين في الحياة السياسية بالولايات المتحدة، كانت أولهم، كاثي كوزاتشينكو، التي انتخبت عضوا في مجلس مدينة ميشيغان عام 1974، وأصبحت أول أميركية من المجتمع المثلي تتولى منصبا سياسيا، وفقا لشبكة “سي بي إس”.

بعدها أتى هارفي ميلك، الذي فاز بعضوية مجلس سان فرانسيسكو الاستشاري، في عام 1977، وكان أول مثلي يتولى منصبا في ولاية كاليفورنيا، وقبل اغتياله في عام 1978، لجأ إلى نفوذ منصبه لمحاربة التمييز ضد مجتمع الميم في مواقع العمل.

وفي الثمانينيات خرج أفراد مجتمع الميم في مظاهرات تنديدا بتجاهل الإدارة الأميركية مرض متلازمة تقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، لتصدر بعها المراكز الأميركية للتحكم بالأمراض والوقاية منها “سي.دي.سي” منشورا لكافة البيوت الأميركية بالتوعية حول المرض.

أما في عام 1993، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” سياسة جديدة تؤكد أن المتقدمين للخدمة في صفوف الجيش الأميركي “لن يُسأَلوا أو يُطلَب منهم كشف ما إن كانوا مثليين”.

ومثّلت هذه السياسة التي عرفت باسم “لا تسأل، لا تُخبِر”، خطوة صغيرة نحو القضاء على التمييز بين رجال الخدمة العسكرية ونسائها للمشاركة في ميول جنسية محددة أو إعلام أحد عنها.

وفي 21 سبتمبر من عام 1996، وقع الرئيس الأميركي آنذاك، بيل كلينتون، قانونا يقر “الدفاع عن الزواج”، ليتغير تعريف الزواج باقتصاره على ارتباط بين رجل وامرأة فقط، وبالتالي لم يعد قبول الولايات التي كانت تمنع زواج المثليين أمرا هاما.

وفي 28 أكتوبر من عام 2009، وسّع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المفاهيم الواردة في قانون سابق لمحاربة جرائم الكراهية، صادر عام 1969، ليشمل جرائم الكراهية المدفوعة بسبب جنس الضحايا أو ميولهم الجنسي أو هويتهم الجنسية أو إعاقتهم الجنسية.

وأصدر القانون تيمنا برجلين مثليين، ماثيو شيبرد، طالب جامعي في وايومينغ قتل وتعرض للتعذيب بسبب ميوله الجنسية، عام 1998، وجيمس بيرد، أميركي من أصل أفريقي، تم سحله حتى الموت خلف شاحنة في تكساس في العام ذاته.

وفي عام 2010، أقر مجلس الشيوخ الأميركي تعديلا لتشريع “لا تسأل، لا تُخبِر” ضمن قانون الدفاع الوطني، ما سمح للمثليين الأميركيين بالخدمة العسكرية وإعلان ميولهم الجنسية.

أما في 26 يونيو من عام 2015، أقرت المحكمة العليا الأميركية زواج المثليين كحق دستوري، لتمنع الولايات من حظر الارتباط بين الأشخاص من الجنس ذاته، وشكل هذا القرار نصرا تاريخيا لحقوقهم.

المصدر: قناة الحرة – واشنطن

أخبار أخرى عن مجتمع الميم

Leave a Reply

Your email address will not be published.