مثليون عرب يصرخون من أمستردام: “نحن هنا”!

على مدى العقود الماضية، شهدت الدول الغربية تطورات قانونية واجتماعية إيجابية تجاه أهميّة احترام حقوق أفراد مجتمع الميم وصون حرياتهم والحفاظ على كرامتهم والحد من وصمة العار التي تلاحقهم.

ولا شكّ بأن المثليين العرب الذين يعيشون في مجتمعات قمعية ومحافظة، لا تحترم وجودهم أو تتقبل الآخر المختلف عن النمط الاجتماعي السائد، سوف يحاولون بشتى السبل الهرب من بلدانهم لعيش حياة كريمة في دول توفر لهم أدنى الحقوق الإنسانية بالتعبير عن النفس.

من هذا المنطلق، رصدنا تقريراً بقلم الصحافية منتنة ماء العينين، تم نشره على موقع CNN العربية، يسلط الضوء على المثليين العرب الذين شاركوا في مسيرة الفخر في مدينة أمستردام.

وجاء في التقرير:

“أنا مثلي”، “أنا غايْ”.. عبارات تُنطق بأحرف عربية، لكنك لن تسمعها في غالبية البلدان العربية إلا في أماكن مغلقة، تخرج من حناجر مرتجفة بهمس تكاد لا تلتقطه الأذن.

هذه الأصوات نفسها تعلو مدوية بأعلى نبرة حين تتجاوز حدود بلدانها، غارسة موطئ قدم في أحد البلدان الغربية الذي يعترف بالمثلية الجنسية بكافة أطيافها، ويقدم الحماية والحقوق لأصحابها.

وتنظم العديد من الدول الغربية، احتفالات لدعم مجموعة الأقليات التي تُعرِّف نفسها اختصارا بٍلقب “+LGBTQIA” في شهر يونيو/حزيران سنويًا.

وعلى مرّ السنوات، شكلت الاحتجاجات التي قام المثليون بها ركيزة أساسية لحصولهم على حقوقهم في العديد من الدول. فيما اعترف رؤساء أمريكيون سابقون مثل بيل كلينتون وباراك أوباما بشكل رسمي بهذا الشهر.

من جهة أخرى، لا تزال العديد من الدول العربية تجرّم المثلية، وتفرض عليها عقوبات صارمة قد تصل أحيانا إلى حدّ الإعدام، أو تتراوح ما بين التعذيب، والسجن، والغرامة المالية. لكن “الفضيحة”، والضغط المجتمعي، والنبذ، والقطيعة الأسرية، تبقى أسوأ بكثير بالنسبة للبعض من كل العقوبات المفروضة.

وفي جديد الأمر، شهدت “مسيرة الفخر” في العاصمة الهولندية أمستردام بتاريخ 22 يوليو/تموز العديد من المشاركين وبينهم عرب من كافة الأطياف الجندرية.

الاحترام والأمان في الشارع العام.. أهم الحقوق وأبسطها

أليكس أيوبي شاب هولندي من أصول سورية، عضو بالمجلس المنظم لمسيرة الفخر Queer Amsterdam، يُعرّف عن نفسه أنه “Queer”  أي حرّ الجنس. ورغم حصوله على الجنسية الهولندية، إلا أنه يعتبر نفسه حاملا لرسالة تجاه بلده سوريا، والمثليين العالقين هناك.

ويقول أليكس إن أهم ما يفتقده اليوم في الشارع العربي، هو الحرية، والكرامة، والأمان، لكنه يرى أن الأمل موجود رغم كل التحديات، فالدول العربية في نظره ستسير على طريق سن القوانين التي تكفل كافة الحقوق الإنسانية، وحقوق المثليين جزءً لا يتجزأ منها، بحسب تعبيره.

ويوضح أليكس: “أهم شيء اليوم، ألا نتعرض للقتل في بلداننا العربية، ولا أن نخفي حقيقتنا، وألا نخشى التعرض لنا في الطرقات. غير هذا يبقى مجرد أمور ثانوية نستطيع التفكير بها لاحقا”.

أما يارا العابرة جنسيًا بشعرها المنسدل وابتسامتها الخجولة وعينيها الحذرتين، فتقول: “أنا عابرة جنسيا، أستعمل الضمير الأنثوي “أنتِ، هيَ”.

وتُوضح يارا التي قدمت إلى أمستردام قبل خمسة أشهر كلاجئة للحصول على حقها في استعمال هذا الضمير: “أنا أعبر عن كينونتي الحقيقية، حيث لم أكن أجرؤ في المغرب على مجرد التلميح إلى هويتي الفعلية”.

وتضيف: “اليوم أخوض عملية العبور الجنسي هنا، وأخفي الأمر عن الأهل وعن كل من عرفني في جسدي وهويتي السابقة”، لافتة إلى أنها في المغرب كانت تعيش حياة أخرى لا تشبهها.

وتقول يارا: “كنت منغلقة على نفسي، لا أحدث أحدا، ولا أمارس أي طقس اجتماعي خوفًا من التنبه إلى هويتي. هناك في المغرب، لم أستطع يوما أن ألبس الملابس التي أرغب بها، أو أن أضع مستحضرات التجميل التي أحبها. عشت وحيدة رغم أنني كنت محاطة بالأهل والمعارف”.

وبعد أن تعيد سيجارتها إلى شفاهها بأصابع مرتعشة، وتستنشق منها نفسا طويلا، ثم تنظر إلى الأفق الممتد بعيدا، تُوضح يارا: “لم أتعرض يوما لمشاكل في المغرب، لأنني لم أسمح لهويتي الحقيقية أبدا بالظهور، لكنني اليوم وجدت كل نفسي التي كنت أبحث عنها، عثرت على من أنا حقا، أنا اليوم أعيش المصالحة مع الذات والهدوء الداخلي والقدرة على الاندماج، أعبر بحرية مطلقة، رغم بعض المضايقات القليلة العابرة، لكنها أشياء تبقى غير قادرة على منعي من متعة العيش”.

التضحية بالعلاقات الأسرية مقابل العثور على الهوية

وانقطعت علاقة يارا بأهلها قبل قدومها إلى أمستردام بسنوات عديدة، إذ تشير إلى أنها ليست على استعداد لإشراك أهلها في عملية العبور التي تعيشها، قائلة: “أنا أدرك تمام الإدراك أنهم لا يملكون القدرة الفكرية، أو النضج العاطفي لتفهمي واحتوائي، لذا قررت الابتعاد، وشرعت في رسم الطريق وحيدة وصولا إلى اليوم، ولا أفكر أبدا في الرجوع إلى المغرب، فهناك قد أتعرض كعابرة جنسيا إلى مختلف أنواع العنف اللفظي والجسدي من دون أن يتدخل أحد لحمايتي، كما حدث مع كثيرين هناك”.

ويُشار إلى أن المغرب يجرم المثلية تحت الفصل 489 من القانون الجنائي، والذي جاء فيه: “يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى ألف درهم لمن ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، ما لم يكوّن فعله جريمة أشد”.

الخروج من الخزانة أو التعبير عن الهوية الجنسية في الدول العربية؛ جرأة وحق، أم تهور وانتحار؟

أشرف، شاب تونسي الجنسية، ثنائي الميول، دفع ثمنًا غاليًا حين شارك في حلقة بأحد البرامج الإذاعية الإلكترونية التي تُبث في تونس، عبّر فيها عن ميوله بصراحة، فتعرض لتجربة قاسية بحسب تعبيره، اذ اعتدى عليه من وصفهم بـ”مصابين بالهوموفوبيا”.

واعتبر أشرف أن “الثورة التونسية منذ ما يزيد عن 12 عامًا لم تُنجب للتونسيين بكافة أطيافهم سوى التراجع الاقتصادي والفكري”، موضحًا أنه “رغم تعاقب الحكومات الحاملة لشعار الثورة، والمنادية بالقطيعة مع عهد الاستبداد، إلا أنها لم تجرؤ على إلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية الذي ينص على عقوبة قد تصل حد السجن ثلاث سنوات لكل مرتكب فعل يدل على المثلية الجنسية”.

ويقول أشرف بابتسامة بسيطة: “أعلم أن الله خلقني، ويكفيني أن أمي قبل وفاتها قالت لي: أنا راضية عليك يا وليدي”.

أخبار أخرى عن مجتمع الميم

Leave a Reply

Your email address will not be published.