في كل الدول العربية.. معاناة أفراد مجتمع الميم واحدة!
صحيح أن معدلات الفقر والتشرد والاكتئاب والانتحار هي أعلى بكثير بين المثليات والمثليين ومزدوجي التوجه الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، مما هي بين عموم السكان الآخرين. وليس من الغريب القول إن معاناة أفراد مجتمع الميم واحدة في كل الدول العربية وتتشابه كثيراً.
إليكم أدناه جولة قام بها الكاتب محمد قاسم على أبرز البلدان العربية، لعرض واقع مجتمع الميم وتوضيح وجهة نظر القانون، في مقال تم نشره على موقع Vice العربي.
كيف يُنظر للمثلية الجنسية في الدول العربية؟ قد لا نجد جوابًا سريعًا، أو مباشرًا لهذا السؤال الواسع والعريض، لكنها قد يُختصر جوابها بكلمة واحدة: “العنف” وتتراوح أشكاله ما بين العنف اللفظي، والجسدي، وصولًا إلى التمييز والتنمر والتحرش والمعاملة السيئة.
تُجرم عدة دول عربية المثلية الجنسية أو ممارسة الجنس بين الجنس المتشابه، وقد وضعت تلك الدول عقوبات على من يشتبه في كونهم مثليين جنسيًا، تتراوح ما بين الحبس، أو الغرامات المالية أو كلا العقوبتين وأكثر من ذلك، تعتبر هذه البلدان أن أي اتصال جنسي بين أي شخصين خارج إطار الزواج هو غير قانوني. وتصف ليبيا، على سبيل المثال لا الحصر، أن أي ممارسة جنسية خارج إطار الزواج بأنه اعتداء جنسي.
لم يكن عام 2022 عاماً جيداً بالنسبة للحقوق الفردية، وتعرض مجتمع الميم في الوطن العربي لحملات تشويه ورفض في عدة دول كما سنرى في هذا المقال، على أمل يكون العام القادم مريحاً وأكثر عدالة وتقبلاً للجميع.
مصر
“ستظل ناقصًا مالم تحب امرأة” هذا ما كتبه الشاب المصري، أحمد الحصري عضو في منصة “فطرة” وهي حملة أطلقها عدد من الشباب المصري على السوشيال ميديا تعبيرًا عن رفضهم القاطع للمثلية الجنسية.
وقد اتخذت الحملة اللون الأزرق والزهري تعبيرًا عن شعار الحملة، ويشير اللونان عالميًا إلى الذكر والأنثى، تأكيدًا على أن البشر جنسين فقط لا أكثر، وهذا ما عبرّت عنه هبه، في منشور لها على نفس المنصة، كتبت فيه There are only two genders، وتعني أن هناك جنسين فقط.
وتكشف شعارات حملة “فطرة” وتعليقات المؤيدين لها الستار عن أفكار مغلوطة تشيطن من مجتمع الميم من خلال خطاب الكراهية الذي تبنته الحملة يوجه دفة الجماهير إلى رفض الآخر المختلف عنهم.
ماذا يقول القانون المصري؟ ليس هناك تجريم صريح للمثلية الجنسية، لكن هناك عدة أحكام تُجرم أي سلوك أو تعبير عن أي فكرة تعتبر غير أخلاقية أو فاضحة، وفسرت محكمة النقض المصرية أن لفظة “الفجور” الواردة في القانون رقم 10 لسنة 1961 على أنها فعل المثلية الجنسية.
أشار القانون المصري بصريح النص في المادة (1): كل من حرض شخصًا ذكرًا او أنثى على ارتكاب الفجور أو الدعارة أو ساعده على ذلك أو سهله له، وكذلك كل من استخدمه أو استدرجه أو أغواه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة يعاقب بالحبس مدة لا تقل ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة مالية من مائة جنيه إلى ثلاثمائة جنيه. ويرى مفسرين عدم دستورية مفردة “الفجور” كونها غامضة ولا توجد لها تعريفات لغوية تعبر عن المثلية الجنسية بين الرجال بعضهم البعض.
الكويت
قبل أسابيع، انتشرت لوحات إعلانية عملاقة في شوارع الكويت كُتب عليها: “هو مو مثلي.. أنا رجل وهو شاذ” ولوحات أخرى كتب عليها: “هي مو مثلية.. أنا امرأة وهي شاذة” تلك الحملات الاعلانية الواسعة ضد مجتمع الميم تأتي ضمن توجه عام في دول الخليج لمنع ما تصفه “بالترويج للمثلية” و”حماية المجتمع من الأفكار المنحرفة.”
الواقع: هناك عدة عوامل تجعل أفراد مجتمع LGBTQ في الكويت يعيشون ضمن حلقة ضيقة، وانغلاق في التواصل فيما بينهم بسبب صغر مساحة البلاد، التي يجدها بعض أفراد المجتمع تشكل خطرًا على حياتهم وإمكانية فضح هويتهم بشكل اسرع وانتشار معلوماتهم، لهذا، يفضل أبناء المجتمع التواصل بأسماء وهمية أو مستعارة للحفاظ على أمنهم الشخصي، للتعامل مع هذا الواقع الذي فرضه الحذر والخوف من سطوة المجتمع الذي تسوده العادات والتقاليد. كما لا توجد أي منظمات حقوقية تعمل داخل البلاد تدافع عن حقوقهم، بل العكس، شاركت 25 مؤسسة ومنظمة غير حكومية “في مجال حقوق الإنسان” في حملة رفض المثلية الجنسية داخل الكويت، الأمر الذي يعتبر مقلقًا لدى أفراد المجتمع وتصعيد من حدة العنف ضدهم.
القانون: في المادة 193 من قانون العقوبات الكويتي، فرض عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز سبع سنوات إذا واقع رجل رجلًا آخر بلغ الحادية والعشرين وكان ذلك برضاه.
العراق
في شهر نوفمبر 2022، وجه الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، رسالة عبر تويتر طلب فيها من أنصاره المشاركة بحملة جمع تواقيع مليونيه لمناهضة “المثلية الجنسية” وقال في تغريدة: “على الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات أن يتّحدوا في العالم أجمع من أجل مناهضة المجتمع الميمي (مجتمع الميم)، لا بالعنف ولا بالقتل والتهديد، بل بالتثقيف والتوعية وبالمنطق والطرق الأخلاقية وما شاكل ذلك.”
لاحقت الحملة ترحيبًا شعبيًا، على الأقل بين أنصاره الذين تتراوح أعدادهم بالملايين، كما تفاعل معها 25 نائب من البرلمان العراقي وقعّوا على مسودة مقترح قانون الدعاية ونشر المثلية، وجاء في المادة (١) من القانون المقترح: “أي شخص يقوم بالترويج للمثلية لأي سبب كان سواء في المؤسسات الحكومية والإعلامية والمدارس والمعاهد والجامعات وشبكات التواصل الاجتماعي والكتب والمنشورات والمسارح والسينما وفي الأماكن العامة يعتبر جانياً ويعاقب.”
الواقع: في بلد مثل العراق، يسوده عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والمعروف بتنوعه الديني والعرقي، يواجه فيه مجتمع الميم أصعب ظروف الحياة بسبب خطابات الكراهية التي يعلن عنها بين الحين والآخر رجال الدين والسياسيين في مناسبات عدة، وهذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيه الصدر موقفه المناهض للمثلية، كما أشار في تغريدات سابقة إلى ربط الأمراض مثل كورونا وجدري القردة بسلوكيات مجتمع الميم.
القانون: بحسب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، المادة 401: يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا او بإحدى هاتين العقوبتين من أتى علانية عملا ًمخلاً بالحياء، كما ذكرت المادة 394 (1): يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس من واقع في غير حالة الزواج أنثى برضاها أو لاط بذكر أو أنثى برضاه أو رضاها إذا كان من وقعت عليه الجريمة قد أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة سنة. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا كان من وقعت عليه الجريمة دون الخامسة عشرة سنة كاملة من العمر.
لبنان
في لبنان، البلد الذي يعيش أحلك الظروف والأزمات الاقتصادية، لم تتجرأ الحكومات على تعديل الوضع ومعالجة المشكلات التي يعانيها غالبية الشعب اللبناني. وفي الوقت الذي يتغاضى فيه السياسيين عن هموم الشعب، صدر بيان من قبل وزير الداخلية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، بسام المولوي، حذر فيه من إقامة أي نشاط لمجتمع الميم، كما توعد بالتعامل مع الموضوع بحزم. هذا القرار اعتبر مؤشراً خطيراً على تصاعد حدة خطاب الكراهية في بلد يعتبر الأكثر انفتاحًا مقارنة مع دول عربية أخرى، وأدى قرار الوزير إلى إلغاء عدد من المهرجانات والعروض المسرحية التي كان من المقرر إقامتها في صيف 2022.
القانون: في قانون العقوبات اللبناني، تنص المادة تنص المادة 534 من القانون الصادر في 1943 على ما يلي: كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة.
الواقع: في لبنان، الواقع الذي يعيشهُ مجتمع الميم منقسم بين تقبل قسم كبير من المجتمع لهم، وبين القوانين الصارمة الموجهة ضدهم، هذا الشرخ الكبير ما بين الواقع والقوانين، قاد قانونيون ومنظمات حقوقية لطرح تساؤلات عدة حول كيفية تفسير النص القانوني لمفردة “مجامعة” المخالفة للطبيعة، كيف يمكن إثبات هذه المجامعة، وهل هناك مجامعة جنسية مع الطبيعة وأخرى ضد الطبيعة؟ هذه التساؤلات اخذتها منظمات حقوقية على محمل الجد للمرافعة من أجل إسقاط المادة من قانون العقوبات، وبعد حملات الضغط الكبيرة من قبل المنظمات والناشطين في مجال حقوق الإنسان، نجحت أخيرًا في إلغاء العمل بقرار وزير الداخلية.
قطر
مع تنظيم قطر لبطولة كأس العالم 2022، شددت السلطات على ضرورة “احترام الثقافة” القطرية والعادات والتقاليد المنبثقة من الشريعة الإسلامية، فقامت بفرض قوانين حازمة لمنع أي نشاط يروج “للمثلية الجنسية.” قرار المنع هذا انتقدته دول عدة، والذي يقضي بمنع رفع أعلام مجتمع الميم في الملاعب وخارجها، وداخل البلاد بأكملها، ما أثار جدلًا واسعًا بين أفراد المجتمع والدول المشاركة في البطولة، حيث خططت سبعة فرق المشاركة في كأس العالم لجعل كابتن الفريق يرتدي شارات دعم LGBTQ، لكن الفيفا هددت بمعاقبة ذلك، ما أدى إلى أن يتخلى قادة الفرق عن هذه الفكرة.
الواقع: استطاعت قطر في مونديال كأس العالم أن تفرض قيودها على الجميع، مثلًا، منعت تناول المشروبات الكحولية قرب الملاعب، أو ارتداء ملابس مع ألوان القوس قزح، أو الترويج بشكل مباشر أو غير مباشرة إلى المثلية الجنسية. هذه القرارات واجهت جملة انتقادات واسعة، فيما اعتبرها البعض أنها حق لقطر أن تصدر هكذا تعليمات تتماشى مع قوانينها، وأن التركيز على لعب كرة القدم هو الحدث الأهم لدى المشجعين باختلاف جنسياتهم وميولهم الجنسي.
وقال ناصر الخاطر، الرئيس التنفيذي لكأس العالم لقطر 2022، إن الحكومة القطرية لن تغير قوانينها المتعلقة بالمثلية الجنسية، كما طلب من كل الزائرين أن يحترموا ثقافة الدولة. ونشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا أشارت فيه إلى أن قوات الامن القطرية اعتقلت تعسفًا أفرادًا من مجتمع الميم خلال التحضيرات التي قامت بها قطر استعدادًا لاحتضان كأس العالم.
القانون: يعاقب القانون القطري وفقًا إلى أحكام المادة 285 من القانون، بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات من مارس الجنس خارج إطار الزواج، بما في ذلك العلاقات الجنسية المثلية. ليس هذا فحسب، إذ تفرض الحكومة القطرية رقابة مشددة على مواقع التواصل والمنصات الإعلامية حول موادها المنشورة ومدى علاقتها بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية.
الإمارات والسعودية
هذا العام قيدت شركة أمازون في الإمارات من بيع المنتجات الخاصة بمجتمع الميم على موقعها بعد تعرضها للتهديد بالعقوبات، وفقًا لوثائق الشركة التي اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز، وأظهرت الوثائق أن الحكومة الإماراتية أمهلت أمازون ولم تتضح ما هي العقوبات.
وقال متحدث باسم شركة أمازون: “كشركة نبقى ملتزمين بالتعددية والإنصاف والشمولية، ونرى أن هناك ضرورة لحماية حقوق أفراد مجتمع الميم، وبالنسبة لمتاجر أمازون حول العالم فإن عليها التقيد بالقوانين والقواعد المحلية لكل بلد.”
في شهر الفخر Pride month، هذا العام قامت وزارة التجارة في السعودية بمصادرة جميع السلع التي تحتوي على قوس قزح ومن أبرزها لعبة “بوب إت” لأنها تتعارض مع “العقيدة الإسلامية والأخلاق العامة” ونشرت على حسابها على تويتر مقطع فيديو يظهر مسؤول سعودي، يتجول في المتاجر ويحمل أشياء مزينة بألوان قوس قزح. وغردت وزارة التجارة: “فرقنا الرقابية تنفذ جولات على منافذ البيع وتضبط وتصادر منتجات تتضمن رموز ودلالات تدعو للشذوذ وتنافي الفطرة السّوية.”
الواقع: ألوان قوس قزح هي مجرد ألوان، ومن الصعب تبرير منع المنتجات والألعاب بالدين والأخلاق، فهي مجرد أشياء، في الواقع وبحسب موقع الغارديان فإن اللعبة التي تم حظرها في السعودية “تصنف ضمن الألعاب الحسية أو تطور الإدراك الحسي للأطفال، وهو أسلوب تعتمده كثيرا طرق التربية الحديثة، إذ يساعد على التركيز والتحكم في المشاعر وفي السيطرة على بعض حالات التململ الحركي.”
القانون: المثلية الجنسية مجرمة في السعودية لأن القانون في المملكة العربية السعودية، يعتمد على الشريعة الإسلامية، المستمدة من القرآن الكريم، وكثير من القوانين الجنائية تشكلت عبر الأوامر والمراسيم الملكية والآراء الفقهية للقضاة ورجال الدين الذين يشكلون معا السلطات العليا في البلاد.
فوق العقوبات التي وضعتها بعض الدول في قوانينها التي تجرم المثلية الجنسية، فإن المجتمع كذلك يضع ثقلهُ ولومهُ على مجتمع الميم بداعي “الشرف” أو “غسل العار” وبالتالي يُعرض الكثير من أفراد المجتمع للتعنيف من قبل الأهل، ورفض تشغليهم أو إسكانهم، وهو ما يؤدي لارتفاع معدلات الفقر والتشرد والاكتئاب والانتحار بشكل أعلى بكثير بين المثليات والمثليين ومزدوجي التوجه الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية مما هي بين عموم السكان.
الكل يستحق فضاءً آمنًا، بغض النظر عن الهوية والحب. ولنتذكر دائماً “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق.” هذا هو نص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لدينا جميعًا نفس حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف. دون استثناء.
Leave a Reply